إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 3 نوفمبر 2012

باب ما جاء في لبس الجنز ... وركب البنز







في حياتنا العصرية الجديدة المتجددة .. الصناعية التي نستورد فيها كل شئ من الشرق والغرب ولا نصدر لهم سوى براميل النفط وعدد كبير من السياح من طبقات المجتمع الارستقراطية إلى الطبقة الكادحة الهالكة الفارة الهاربة
وفي العاصمة الرياض .. المكتظة بالزحمة والفوضى والعشوائية .. المليئة بالأتربة والغبار والوساخات .. الحارة الباردة .. الحالمة والحارمة .. وفي مكان جمع كل المتناقضات .. فما يقال عنها .. هو تماماً خلاف ما هي عليه.. وما يُصرح بمنعه هو ما يسمح بفعله..

بعد كل هذه المقدمة .. يا أحباب يا أصحاب .. يا أخوات .. يا عزيزات .. حدث لي موقف في طفولتي ما زل يقبع ويتربع في مكان مرعب في ذاكرتي البريئة .. ففي عصرية يومٍ صيفي طويل ..كنت العب الكرة .. كسائر أي طفل سعودي .. حتى أذن المغرب فذهبنا للفور لأداه الوضوء أولا ثم الصلاة ( توضيح الترتيب مهم وحساس  ) .. وكنت الوحيد من بينهم الذي يرتدي ملابس الرياضة الأنيقة ( بمعاير ذلك الوقت طبعاً) وبعد الصلاة وقبل خروجي من المسجد كان نظرات رجل عجوز قد شاب شعره وهرى جلده وفكره .. تلاحقني وتربكني وتقلقني .. وقد حار فكري الصغير .. هل هي نظرات إعجاب وإكبار ( فقد كنت مملوحاً حسب ما اسمع) أم هي ازدراء واحتقار ... وكان الجواب الفاصل سريع وعاجل .. فوقتما وقف أمامي تماماً عند باب المسجد .. الوجه بالوجه والعين بالعين والصمت مطبقاً من الطرفين .. هممت للسلام عليه .. ولكن كفاً قاسياً قوياً ظالماً ضرب وجهي وسمعت صوته مرتين .. ثم لم افتح عيني إلا وقد هرب وفر من فعلته الشنيعة ... أدركت بطفولتي الصغيرة .. أن ما جعل الجنون يطفوا على عقله ( على افتراض وجود العقل  ) .. هي قطعتين من القماش الملون لبستها للعب الكرة!

هجرت بعدها الملابس الملونة خاصة التي تُفصل الجسم وتقسم الأرجل .. وقدست الثياب البيضاء الناصعة ..العربية الأصيلة .. كما أن قطعة القماش الحمراء "الكاروهات" .. أصبحت عندي هي الخط الفاصل بين "المرجلة" والمخنثة .. الحمد لله أن ذلك الموقف لم يجعلني ابتعد عن المساجد .. فبالرغم من كرهي لذلك الرجل العجوز .. وفعلته الحمقاء .. إلا أني كنت أراه صائبا في إنكاره .. ومخطئا في أسلوبه .. وربما أن ضربته القاسية لم تدع مجال للنقاش .. فوافقته تلقائياً وبلا شعور .. ! 

ولكن الأيام دارت .. وصالت وجالت .. وتغيرت الحياة .. وتوسعت المدارك والعقول ثم رأيت بلدان عربية إسلامية أًصيلة ترتدي الملابس الملونة بكل أنواعها .. ولا ترى بذلك افرنجه ولا خواجه .. ولا تقليداً للشرق او الغرب .. بل لو خرجت فتوى من تلك الديار بأن لبس الجنز من التشبه بالكفار لكانت نكتة العصر .. فهذه الملابس هي عصرية .. عالمية .. يلبسها الكل .. فلبس الجنز .. مثل رَكبِ البنز .. يُفعل للحاجه ويترك لعدمها.. فقد تذهب للمسجد بقدميك .. أو بركوب البنز .. وقد تصلي بالمسجد بثوب ابيض او بذلك الجنز .. فكلاهما لبس ساتر للعورة .. أما القول بأنه تشبه بالكفار أو من نتاجهم أو عاداتهم .. فأظنه مردود .. لان كل حاجاتنا اليوم تأتي منهم من اكبر قطعة في البلد حتى أصغرها وأحقرها ..

هذا رأيي المتواضع البسيط .. الصواب المحتمل للخطأ ( ولو بنسبة ضئيلة  )
فمن وافقني فهو مشكور محمود .. ومن خالفني فيا أهلا وسهلاً بتلك الردود .. وعليه بالأقوال والشواهد أن يجود .. وأن يبتعد عن المنازعات التي تورث البغض والحقود .. 




بنز "ميرسيدس" مودل ١٩٥٧م




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق