إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 24 نوفمبر 2012

عقولنا كالسلحفاة أو أشد بطئاً








عقولنا كالسلحفاة أو أشد بطئاً

لم تعرف البشرية كائناً أبطئ من السلحفاة فهي لا تكاد تغير مكانها إذ تظل في مشي بطئ متشتت ثم سرعان ما تعود لموقعها السابق، وبالإضافة إلى بطئها وتشتتها فهي أيضاً تحمل درقة صلبة متحجرة تبدو غير متكيفة بالأجواء المحيطة لتختبئ بها. وهي في تحجرها وبطئها تكون أكثر شبهاً وتوافقاً لعقولنا الصلبة التي فقدت القدرة على مواكبة العصر.

لن أتحدث عن مواقف قديمة كالبرقيات وتعليم البنات أو حتى ركوب الدراجة "السيكل" وشراء بعض ملابس وحاجيات النساء، فكلها أصبحت من الماضي أو من التراث الشعبي الذي يذكر للطرفة فقط. وربما يكون ذلك المنع مقبولاً أو مفهوماً لانتشار الأمية ولانزواء المجتمع عن العالم آنذاك.

ولكني سأتحدث عن أمور عايشتها ورأيتها بعد أن انتشرالعلم في معظم طبقات المجتمع المختلفة وتوزعت المدارس والجامعات في أرجاء البلاد. ففي التسعينات الميلادية ظهرت الأطباق الفضائية لتواجه رفضاً شديداً وإقصاءً لكل من نصب هذا القرص فوق منزله حتى أفتى أحد كبار العلماء أن من أدخل الدش في منزله لن يدخل الجنة وبفتواه هذه يكون قد جعل جلب الدش كترك الصلاة متعمداً. والآن وبعد قرابة خمسة عشر عاماً أصبح لنفس المفتي قناة فضائية تُنشر علمه وأقواله، وهؤلاء الدعاة الذي كانوا يرددون فتواه وفتاوى أخرى مشابهه أصبحوا يتقافزون على القنوات الفضائية ويتسابقون على عقودها الضخمة. مثال آخر تلك الصور الفوتوغرافية المحرمة المُفضية إلى الشرك الأكبر المأمورين بإحراقها وإتلافها فوراً، الآن وبعد عقدان من الزمان أصبحنا نشاهد صور العلماء والخطباء وصفحات التواصل الاجتماعي ( الفيس بوك / تويتر) مليئة بصور "المطاوعة" وغيرهم وهم مسافرون وراحلون إلى ماليزيا وتركيا أو حتى دول أوربا. أين تلك الصور قبل عشرين عام؟ وأين القول بتحريمها والأمر بإحراقها وإتلافها؟ من يذكر جوال "الباندا" ذو الكاميرا الصغيرة البائسة؟ حُرم الجهاز ومنع دخوله وبيعه وأصبح الكثير ينظر لصاحبه نظرة شك وريبه لأنه يحمل جهازاً صغيراً خطيراً يحوي كاميرا من شانها توثيق الصور وكشف العورات خاصة في التجمعات النسائية .. أما الآن أصبحنا نتسابق للظفر بآخر جيل من الآي فون أو الجلاكسي وأثقلنا حقائب المبتعثين بطلباتنا الخاصة والعاجلة.

تخلفنا وبطئنا لمواكبة العصر ليس في مجال المقتنيات فقط، بل حتى في الجوانب السياسية والاقتصادية، فرغم أن معظم المفكرين الشرقيين والغربيين يقرون بأن الديمقراطية لا تحقق العدالة بأكملها، ولكنها أفضل نظام عادل يُمكن أن يطبق. إلا أننا نرفضه ونرفض الحريات المصاحبة لها ونقدم ونفضل عليها نظام استبدادي قمعي جائر لا يمكن مقارنته بالديمقراطية، ثم نعيب الديمقراطية ببعض أخطاءها سواء كانت في النظام أو في التطبيق ونحن أخطاءنا لا تحصى. نرفض أيضاً تقنين الشريعة ووضع قوانين واضحة وصريحة ونفضل أن يُترك المجال لاجتهادات القضاة المختلفة لتصدر أحكام متباينة متناقضة لنفس القضية. أما في الأمور المالية فحدث ولا حرج، فحرمنا الحلال وحللنا الحرام فأصبحنا نقر بالقروض المحتالة على الشريعة ذو الفوائد الباهظة الجائرة وحرمنا القرض الميسر ذو الفائدة القليلة .. ونحن بذلك قد خالفنا مقصد الشريعة من تحريم الربا .. فأصبحت البنوك التي تزعم تطبيق الشريعة تستفيد من القروض أكثر من البنوك التقليدية ويتضرر المقترضون منها ويدفعون أكثر مما يدفع المقترض من البنوك التقليدية، وما ذلك إلا لأننا لم ندرك العلة من تحريم الربا وأدخلنا النقود في قائمة الأصناف الستة بفهم خاطئ والعلماء المفتون بذلك أما جاهلون للواقع أو منتفعون ولا أجد تفسير غير ذلك، وبهذا الأمر بالذات نحتاج لوقت طويل ربما يفوق عمر الإنسان لنستوعب أخطاءنا وتأخرنا. 

فنحن الآن كالسلحفاة تماماً تسير وتتحرك عقولنا وإدراكنا بينما دول الشرق يقفزون قفزات هائلة ومرعبة ومخيفة ودول الغرب يسيرون بثبات ويضعون الأنظمة والتشريعات ويشيدون حضارة قد بنينها يوم كنا نتصدر الأمم فمتى ننهض بفكرنا وعقلنا لنعود لماضي أمجادنا؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق