لقد رحلت .. نعم رحلت .. أو بعبارة أدق إختارك الله واصطفاك لتكون بجواره
في دار رحمته وكرامته، فهذه الدنيا حقيرة لا تليق بك، إنها وسخة نتنه لو كانت
تساوي عند الله جناح بعوضة لما سقى الكافر
منها شربة ماء، فهي حقيرة دنيئة يتنعمٌ بها الكفار الفاجرون وأمثالهم وأتباعهم
بالمال والبنون ويسكنون القصور ويمارسون ظلمهم وطغيانهم، فلو بقيت وعُمرت فيها
لرأيت ما يضيق به صدرك وتضجر به نفسك الطيبة الطاهرة ويحجب به عقلك وفكرك النير
الواسع.
فإلى جنات الخلد –بإذن الله- إلى ذلك النعيم السرمدي الأبدي إلى ما لا عين
رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر إلى دار الصادقين الصالحين الطيبين بجوار
الأنبياء والدعاه المصلحين
إلى دار الخير والهداية والصلاح التي تاقت نفسك للقياها كما تاقت أنفسنا
للقياك.
16 محرم 1434هـ



) .. وكنت الوحيد من بينهم الذي يرتدي ملابس الرياضة الأنيقة ( بمعاير ذلك الوقت طبعاً) وبعد الصلاة وقبل خروجي من المسجد كان نظرات رجل عجوز قد شاب شعره وهرى جلده وفكره .. تلاحقني وتربكني وتقلقني .. وقد حار فكري الصغير .. هل هي نظرات إعجاب وإكبار ( فقد كنت مملوحاً حسب ما اسمع) أم هي ازدراء واحتقار ... وكان الجواب الفاصل سريع وعاجل .. فوقتما وقف أمامي تماماً عند باب المسجد .. الوجه بالوجه والعين بالعين والصمت مطبقاً من الطرفين .. هممت للسلام عليه .. ولكن كفاً قاسياً قوياً ظالماً ضرب وجهي وسمعت صوته مرتين .. ثم لم افتح عيني إلا وقد هرب وفر من فعلته الشنيعة ... أدركت بطفولتي الصغيرة .. أن ما جعل الجنون يطفوا على عقله ( على افتراض وجود العقل
.. كما أن قطعة القماش الحمراء "الكاروهات" .. أصبحت عندي هي الخط الفاصل بين "المرجلة" والمخنثة .. الحمد لله أن ذلك الموقف لم يجعلني ابتعد عن المساجد .. فبالرغم من كرهي لذلك الرجل العجوز .. وفعلته الحمقاء .. إلا أني كنت أراه صائبا في إنكاره .. ومخطئا في أسلوبه .. وربما أن ضربته القاسية لم تدع مجال للنقاش .. فوافقته تلقائياً وبلا شعور .. !
)
.. وعليه بالأقوال والشواهد أن يجود .. وأن يبتعد عن المنازعات التي تورث البغض والحقود .. 